فضل الصلاة وآدابها
الحمد لله الكبير المتعال، نحمده تعالى على كل حال، وأعوذ به من أحوال أهل الزيغ والضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةً تنفع صاحبها في الحال المآل، أشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى سائر الصحابة والآل.
أما بعـد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما يسر لكم من الأحكام، وقد شرع الله لهذه الأمة من الشرائع أيسرها عملاً، وأسهلها فعلاً، وأعظمها ثواباً، وأعمها خيراً، ومن أجلِّ هذه الفرائض فريضة الصلاة؛ التي فرضت من فوق سبع سماوات، خمسين صلاة، ثم خففت فضلاً من الله ونعمة، وتيسيراً ورحمة، إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، هي خمسٌ في العدد، وخمسون في الأجر، وقد بلغ من فضلها ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، عن عثمان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من امرئ مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم تؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله }.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا } هذا قليلٌ من كثير ما وعد الله عباده المؤمنين، المقيمي هذه الفريضة على وجهها الشرعي.
حكم ترك الصلاة
أما الذين ركبوا رءوسهم وأعرضوا عن أمر الله ورسوله، وتركوا هذه الشعيرة، وفتنوا بزيف حضارة الكفار، فلا أفظع وأعظم من خروجهم من دائرة الإسلام، لما روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } ولما روى الإمام أحمد وأهل السنن عن بريدة رضي الله عنه قال: {سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر } فهل يرضى عاقلٌ أن يورد نفسه موارد الكافرين، هل يريد أحدٌ أن يكون مصيره، غياً وويلاً وسقراً، ثم هل تعلمون يا إخوة الإسلام! ماذا يترتب على كفر تارك الصلاة، في الحياة وبعد الممات؟ أما في الحياة فلا يصاحب ولا يساكن، ولا يزوج المسلمة، وإذا مات تاركاً لها، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه المسلمون، بل يعامل معاملة المرتدين عياذاً بالله!
أهمية الجماعة
أما الذين يصلونها، ولكن لا يحضرون الجماعة، إما تهاوناً وكسلاً، وإما ترخصاً وبحثاً عن المعاذير، فهؤلاء على خطرٍ عظيم، وقد عرضوا أنفسهم لوعيد الله ورسوله، وحرموها من المنافع الجمة، والمصالح العظيمة التي قصد الشارع إليها، وتركوا الثواب والأجر الكبير، الذي رُتب عليها.
صور من التقصير في الصلاة
إخوة الإسلام: إن الصلاة مبنيةٌ على الطهارة الشرعية، فلا صلاة إلا بها، وقد ذكرها الله سبحانه، في آيتي النساء والمائدة، وبينها قولاً وفعلاً رسولنا صلى الله عليه وسلم، وعليه فيعلم أن ما يفعله بعض الناس، من العوام الجهلة، من التساهل في الوضوء والغسل، أو التيمم مع وجود الماء، وإمكان البحث عنه، منافٍ للشرع، وصاحبه معرض نفسه للإثم والرد.
ولما استحكم ضعف الإيمان في نفوس كثيرٍ من الناس، وملأ حب الدنيا والتنافس فيها قلوبهم، وتباعدوا عن آثار النبوة، وقلت رغبتهم في الدار الآخرة، أصبحوا يؤدون هذه الصلاة على غير وجهها الشرعي، حتى ابتلي كثيرٌ منهم، بهدم بعض أركانها كالطمأنينة مثلاً، وأصبح يحاكي الريح في سرعته والغراب في نقره.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته بعدم الطمأنينة بإعادة الصلاة وقال له: {ارجع فصلَّ فإنك لم تصل ثلاثاً } فهل يحب مسلم أن يتعب نفسه ويجهد بدنه، ويرجع بالخسارة والإثم.
وهناك أمرٌ من الصلاة، وروحها ولبها، وقد عزّ على كثيرٍ من المصلين، لطول الأمد وقسوة القلوب، واستحكام الدنيا في النفوس، وأصبح كثيرٌ من المصلين، لا ترى آثار الصلاة عليه، وربما يتساءل، ألم يقل الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، ونحن نصلي ولكن لا يتورع كثيرٌ من المصلين على ارتكاب المحرمات، ومواقعة الفواحش، والتساهل في الواجبات، ولا ريب أن ذلك من عدم أداء الصلاة، كما شرع الله، وسمى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أداء الصلاة جسداً بلا روح، أو على أنها عادةٌ يفعلها الناس، ولو صلى المصلون الصلاة الشرعية، وأقاموها على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحضروا الخشوع والرهبة، لنفعت وأثرت وعملت عملها في قلوب الناس، ومجتمعاتهم، وصارت أكبر عونٍ على أمور الدنيا والدين، والله عز وجل يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].
ولتسببت في انحسار كثيرٍ من المنكرات والمحرمات، والله عز وجل قد رتب الفلاح للمؤمنين، وجعل أول صفاتهم الخشوع في الصلاة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].
وحدِّث اليوم ولا حرج عن خشوع المصلين الذين جعلوا الصلاة محلاً للهواجس والخواطر، ومرتعاً للأفكار والوساوس، ولا مخلص من ذلك، إلا شدة الإقبال على الله، وصدق اللجوء إليه، وإحضار القلب، والتخلص من مشاغل الدنيا، والاستعانة بالله، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، من همزه ونخفه ونفثه.
أهم ضوابط صلاة الجماعة
إخوة الإسلام: يا منْ منَّ الله عليكم بأداء الصلاة مع الجماعة! اعلموا أن لصلاة الجماعة ضوابط وقواعد، أهمها الاقتداء التام بالإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه، عن أنس رضي الله عنه: {إنما جعل الإمام ليؤتم به } فلا تجوز مسابقته في خفضٍ ولا رفع، ولا تكبير، ولا ركوع ولا سجودٍ ولا تسليم، وفاعل ذلك متعرضٌ لبطلان صلاته، وأي شيءٍ يجنيه من عَمَله هذا سوى إرضاء الشيطان واتباع وساوسه.
ومنها: العناية بتسوية الصفوف وإقامتها، فإن تسويتها من تمام الصلاة وإقامتها، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتقوا الله يا أمة الإسلام في عمود دينكم، أقيموه على الوجه الشرعي، من غير غلوٍ ولا زيادة، ومن غير تقصير ولا تفريط، وإياكم والتساهل في أدائه، والتقصير في أداء السنة فيه، والتشديد فيما فيه سعة ومندوحة، وقوموا بما أوجب الله عليكم، تجاه من تحت أيديكم، من الأهل والأبناء والبنات، وإنهم أمانةٌ في أعناقكم، وألزموهم بأدائها، وتابعوهم وتفقدوهم عندها، امتثالاً لأمر الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] واقتداءً بأمر الله، والصالحين من عباد الله، يقول تعالى عن إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40].
وعن إسماعيل: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [مريم:55] وأمر محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].
أمة الإسلام: نداءٌ من هذا المكان المبارك، إلى المسلمين في كل مكان، بأن يتقوا الله في إسلامهم، ويقيموا عموده وهو الصلاة، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ونداءٌ للقابعين في بيوتهم، المتشبهين بنسائهم، الذين لا يحضرون الصلاة مع الجماعة، أن يتقوا الله عز وجل، وأن يحذروا فتنة الدنيا ويتذكروا مصيرهم وحساب ربهم لهم.
ولن تقف الأمة أمام أعدائها صفاً واحداً إلا إذا وقفت أمام ربها في صفوف صلاتها، ودعوة إلى المسلمين المصلين، أن يقيموا الصلاة على وجهها الشرعي، بتمام الطهارة والخشوع والطمأنينة، وسائر الأركان والواجبات والمستحبات، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي } وهمسة ساخنة في أذن كل مغترٍ بنفسه، مضيعٍ لفرضه، لا سيما من الشباب والشابات، أن يتقوا الله عز وجل، ويؤدوا هذه الفريضة، فالآجال محدودة، والأنفاس معدودة، اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
أمور مكملة للصلاة وجابرة لنقصها
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعــد:
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن للصلاة مكملات ومتممات، تسد خللها، وتجبر نقصها، ومن ذلك المحافظة على السنن الرواتب {فمن حافظ عليها، بنى الله له بيتاً في الجنة } كما أخرجه الإمام مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها.
ومنها المحافظة على النوافل وقيام الليل والوتر، ومنها الأذكار الشرعية بعد الصلاة، فقد ثبت في السنة عظم أجر قائلها، ومنها الاستغفار والتهليل، والتسبيح والتكبير والتحميد، على الطريقة الشرعية، كماً وكيفاً، وقد ورد عند مسلم وغيره أن: {من قالها دبر كل صلاة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر }.
واحذروا ما أحدثه الناس في الصلاة، من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، كالجهر بالنية مثلاً، وإن ذلك بدعةٌ لا أصل له، ومنها الأذكار الجماعية بعد الصلاة، فهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما لا يفوت أن المرأة المسلمة إذا صلت في مساجد الله، فيجب عليها أن تلتزم الحجاب الشرعي في وجهها وكفيها، وتحذر كل الحذر من التبرج بالزينة وإبدائها، ومزاحمة الرجال، والتطيب ولباس الملابس المريبة، فترجع مأزورة غير مأجورة والعياذ بالله!
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبينا محمد، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، صالحين مصلحين يا رب العالمين!
اللهم إنا نلجأ إليك في هذا المكان المبارك، وفي هذه الساعة المباركة، أن تجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهم اجعلهم يداً واحدة على أعدائك يا رب العالمين!
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
( خطبة للشيح / عبد الرحمن السديس _ إمام وخطيب الحرم المكي )